سطور عن حياة الدكتور نور الدين ظاظا (1919- 1988 )
ولد الدكتور نور الدين ظاظا عام 1919 في قضاء معدن الواقع بين ديار بكر و آل عزيز, وهو سليل أسرة كردية اشتهرت بوطنيتها وعراقتها. وعندما اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد عام 1925 ضد الحكم التركي الاستبدادي قام والد نور الدين العالم الديني والرجل الوقور ((يوسف أفندي)) وشقيقه الأكبر ((الدكتور نافذ)) بمساندتها وتقديم الدعم لها. وفي أعقاب فشل الانتفاضة وانحسار المد الكردي جرى اعتقال ((يوسف أفندي وولده الدكتور نافذ)) وأودعا السجن. وبعد الأفراح عنهما, غادر الدكتور نافذ ومعه شقيقه الصغير نورالدين الذي لم يتجاوز الحادية عشر بعد, ديار بكر ووصلا إلى حلب.
وفي سوريا واصل الدكتور نافذ مهنة الطب في مدينة القامشلي, كما أنه لم يتوان في نضاله الوطني بين الأكراد, فكان خير مثال للإنسان الواعي والمخلص لقضايا شعبه وساهم بدور بارز في عمل ونشاطات جمعية ((خويبون)) السياسية وأصبح عام 1946 رئيساً لهذه الجمعية التي عملت آنذاك بين الأكراد بغية إيقاظهم وتوعيتهم وتوجيه نشاطهم في تلك المرحلة الصعبة. وفي هذه الأثناء أنهى نور الدين ظاظا دراسته الثانوية, و حاول الالتحاق بحركة التحرر الوطنية الكوردية في العراق بزعامة الملا مصطفى البارزاني.
غير أنه أعتقل من قبل السلطات العراقية وزج به في سجون الموصل وبغداد. وبعد إطلاق سراحه سافر إلى لبنان لأتمام دراسته الجامعية وقد تعرف هناك على البدرخانيين و عمل معهم. وبعد نيله الشهادة الجامعية في بيروت سافر إلى سويسرا لاتمام دراسته العليا. و أثناء سنوات الدراسة في سويسرا ظل نور الدين ظاظا على اتصال بقضايا شعبه وبذل جهودا كبيرة لاطلاع الرأي العام الأوربي على قضية الشعب الكردي العادلة. كما كانت له هناك صداقات قوية مع ممثلي الشعوب الأخرى. وفي أوربا أسس مع مجموعة من زملائه جمعية الطلبة الأكراد عام1949 واصبح رئيسا لها وأصدر مجلة بعنوان ((صوت كردستان)).
في عام 1956 نال شهادة الدكتوراه في العلوم التربوية, وعاد ثانية إلى سوريا لمواصلة نضاله. وفي عام1957 قام ومجموعة من رفاقه بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا وأصبح رئيساً له. ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة جديدة ومعقدة من العمل الحزبي والنضال السياسي من أجل حقوق الشعب الكردي. التفت الجماهير حول الحزب مؤيدين نشاط قيادته بزعامة الدكتور نور الدين ظاظا. وفي هذه الأثناء شعرت السلطات الاتحادية (وحدة سوريا ومصر1958-1961) بأزدياد نفوذ الحزب ودوره بين صفوف الأكراد فقامت باعتقال نور الدين ظاظا ورفاقه عام 1960 بغية الحد من نشاط الحزب. قدم الدكتور نور الدين ظاظا أثناء وجوده في السجن مذكرته الشهيرة إلى رئيس محكمة أمن الدولة العسكرية العليا يتمتع بدمشق. ومازالت هذه الوثيقة تستأثر باهتمام كبير وتستحق كل دراسة جادة جديدة,نظراً لأنها تناولت مواضيع في غاية الأهمية, وتؤكد بما لا يقبل الشك بأن صاحبها رجل نبيه وذكي و بنظرة موضوعية وبعيدة, و له اطلاع واسع بمجريات الأمور ويحيط بمختلف القضايا السياسية والاجتماعية والحقوقية إحاطة تامة. والفقرات التي نوردها لاحقا من هذه الوثيقة تدل على أن لدى كاتبها نظرة شمولية ومستقبلية, فقد جاء فيها:
(سيدي : بالرغم من ان حوادث التفرقة والتمييز العنصري تجري وتطبق في مجالات عديدة وبطرق شتى فأريد ان اكشف لسيادتكم قبل عرض الوقائع عن السبب الرئيسي الذي يؤدي الى تلك الوقائع والحوادث المؤسفة وذلك السبب هو: انه في الأقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة, واقع ملموس وموضوعي هو حقيقة وجود الشعب الكردي الذي كان ولايزال يعيش على أرضه, ضمن نطاق جمهوريته العربية المتحدة جنباً إلى جنب مع إخوانه العرب. وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به وهو غيور على هذه العادات والتقاليد, وحافظ على مقوماته من غناء و شعر و موسيقى وهي لا تقل روعة و غنىً عن اية لغة من اللغات المجاورة وقد ظل متمسكا ومحتفظاً بنسماتها على مر التاريخ وتوالي العصور فأعتنق الكورد الإسلام , منذ الأيام الأولى ولم تضع اللغة الكردية اوالعادات والتقاليد الكردية لدى الشعب الكردي. والآن نحن في هذا التاريخ من حياة البشرية التي تسعى حثيثة من أجل نعاون وتفاهم الشعوب , لتحقيق تقدم ورخاء أفضل للإنسان وتوطيد السلام و الارتقاء بالشعور و الكرامة و الإنسانية إلى مستواها اللائق . وكما أن اللغة الكردية و العادات والتقاليد الكوردية لدى الشعب الكردي وتمسكه بها لم يكن في يوم من الأيام مصدرا من مصادر التفرقة والخلاف بين الشعبين العربي والكردي وان جميع المؤتمرات والهيئات الاجتماعية والدولية والشعبية جعلت من الخصائص والمقومات الشعبية حقوقا مشروعة وضرورية لكل شعب. فمن واجب الدول والشعوب المتقدمة تأيدها والمحافظة عليها بل وتطويرها وتنميتها لدى الشعوب المتخلفة وعلى رأس هذه الجمعيات والمؤتمرات(الجمعية العامة للأمم المتحدة) التي جعلت في ميثاقها لحقوق الإنسان مسألة قتل ثقافة شعب جرما يعاقب عليه (مؤتمر تضامن شعوب آسيا وأفريقيا في القاهرة).
أصبح نور الدين ظاظا بعد خروجه من السجن قائدا لامعا في الحركة الكردية, وفي هذه الأثناء كانت الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1961 على الأبواب, وقد برز نجم نور الدين ظاظا في هذه المعركة وكاد أن يحقق فيها انتصارا لولا تدخل السلطات فيها وقيامها بأعمال تزوير واعتقالها الدكتور نور الدين ظاظا. و بعد الإفراج عنه سافر إلى لبنان حيث أعتقل هناك ثانية. وعندما عادة إلى سوريا كان حزب البعث قد أستلم مقاليد الحكم فيه . فقامت السلطات باعتقاله ونفيه إلى السويداء وهكذا لم يعرف الدكتور نور الدين ظاظا طعم الراحة, بل ظل ملاحقا من قبل السلطات.
وفي عام 1967 فر إلى تركيا إلا أن المخابرات التركية علمت بذلك وطاردته و ضيقت الخناق عليه فأضطر إلى مغادرة تركيا والعودة نهائياً إلى سويسرا البلد الذي أكمل فيه دراسته العليا. لم يكن الدكتور نورا لدين ظاظا مناضلا سياسيا وحسب, بل كان مثقفا كبيرا وكاتبا حيث كتب مئات المقالات نشرت في صحف ومجلات مختلفة مثل ((الهوار و روناهي)) وغيرها كما قام بإعادة طبع ملحمة ((ممي آلان)) بالحروف اللاتينية بعد أن كتب مقدمة طويلة لها وترجم الراعي الكردي لمؤلفه ((عرب شمو)) من الفرنسية إلى الكردية وذلك كي يتمكن الأكراد في تركيا من قراءته. وفي عام 1982أصدر كتابا يتحدث به عن حياته وعن جزء من نضال الشعب الكردي ويحمل الكتاب عنوان “حياتي الكوردية”.
كما أولى الدكتور نور الدين ظاظا اهتماما كبيرا لمسألة تطوير اللغة الكردية فقد جاء في ندائه الى الكرد مايلي:
أيها الأكراد :”إذا كنتم لا تريدون التشتت والضياع فعليكم تعلم لغتكم وتعليمها. وإذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم وتحبوا فسيروا باتجاه توطيد الصداقة والأخوة مع الشعوب الأخرى وعيشوا بعز وكرامة وتعلموا لغتكم وعلموها أبداً “.
أن ما عرضنا هو غيض من فيض من حياة إنسان شريف ومخلص ربط مصيره بمصير شعبه ووهب حياته لقضيته العادلة. فقد تعرض الدكتور لمختلف أنواع الاضطهاد من سجن وتعذيب وتشريد ونفي. قضى الدكتور نور الدين ظاظا سنوات الأخيرة في سويسرا حيث تزوج من فتاة سويسرية تدعى “Gilberte Favre” وأنجبت له ولداً أسمياه “Şengo Valery”.
توفي الدكتور نور الدين ظاظا في سويسرا عام 1988 ودفن هناك.
ستبقى ذكرى هذا المناضل حية في قلوب الأجيال من شعبنا.