ان غنى اراضي كردستان وموقعها الاستراتيجي كان سبباً في فتح عيون الغزاة والمحتلون لكردستان فقد أضحت ساحة للصراعات السلطوية الهادفة للسيطرة لا على خيرات المنطقة فحسب بل وعلى عراقة كردستان تاريخيا وثقافياً …. الخ.
فقد شهدت كردستان في القرن التاسع عشر والعشرون وأثناء الاحتلال العثماني والصفوي مرحلة جديدة ادت الى الانتفاضات الكردية في وجه الظلم والاستبداد بدءا من أول انتفاضة عام 1806م وحتى ظهور حزب العمال الكردستاني الماضي في ثورته منذ سنه 1978م ولابد لنا من التطرق الى اسباب الانتفاضات الكردية:
1-سياسة الظلم والاستبداد الديكتاتوري التي كانت تتبعها السلطة العثمانية والصفوية.
2-محاولة التحكم في كردستان بعد قدوم فرنسا وبريطانيا الى المنطقة.
3-سياسة التجنيد الاجباري على شباب الكرد.
4-زيادة الضرائب على كاهل المجتمع الكردي.
ولهذه الاسباب ولأسبابٍ أخرى شهدت الساحة الكردية تحركاً نحو أعلان الانتفاضات ولتكون انتفاضة عشيرة البابان 1806م هي الاولى في تاريخ كردستان وفيما يلي ذكر الانتفاضات الكردية واعوامها ومن ثم سنقوم بشرح البعض منها:
الانتفاضات الكردية:
1-انتفاضة عبد الرحمن باشا(بابان) 1806م.
2-انتفاضة احمد باشا 1812م.
3-انتفاضة القرى ما بين 1815 -1829 م.
4-انتفاضة الكرد اليزيدين ما بين عامي 1829 -1830 م.
5-انتفاضة سيد بيك 1833م.
6-انتفاضة بدرخان بيك 1842م.
7-انتفاضة يزدان شير 1854م.
8-انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري 1880م.
9-انتفاضة هاماوند 1908م.
10-انتفاضة إبراهيم باشا 1908م.
11-انتفاضة عبد السلام البرزاني 1913م
12-انتفاضة بدليس 1913م.
14-انتفاضة شيخ محمود البرزنجي 1919م.
15-انتفاضة اسماعيل أغا (سمكو شكاكي).
16-انتفاضة شيخ سعيد بيران 1925م.
17-انتفاضة آغري 1927م.
18-انتفاضة سيد رضا 1937م
19-انتفاضة ملأ مصطفى البرزاني 1943م-1945
20-انتفاضة قاضي محمد 1946م.
– ومن الانتفاضات التي ستنطرق اليها:
1-انتفاضة عبد الرحمن باشا ((بابان)) 1806 -1808 م
– لعبت عشيرة البابان منذ سنة 1500 دوراً كبيراً ومهماً في تاريخ كردستان فقد انتفضت سنة 1806م بقيادة أمير عشيرتها عبد الرحمن باشا في وجه السلطة العثمانية التي لم تستطع ولمدة 300 سنة من أخضاع عشيرة البابان التي كانت تسيطر على قسم كبير من اراضي شمال كردستان وكانت تتخذ من السليمانية عاصمةً لها والتي تأسست على يد إبراهيم بابا باشا.
– قامت عشيرة البابان بتنظيم نفسها واقامت العديد من المؤسسات لتسيير أمور المجتمع حتى غدت كنموذج يحتذى بها في الشرق الاوسط وكثيراً ما كان الصفيون والعثمانيون يتعلمون دروس تنظيم المجتمع ويتخذون نموذج التنظيم الباباني اساسا لهم وبسبب ضعف الدولة العثمانية وخوفها من قوة عشيرة البابان عملت على زعزعة استقرار عشيرة البابان ومحاولة فرض الحكم المركزي على الامراء الكرد لكي يحدون من خطرهم على سلطتهم مما اثار غضب الشعب، فكان لابد من الوقوف في وجه هذه السياسات الاستبدادية العثمانية وبالتالي اندلاع الانتفاضة بقيادة امير العشيرة . الذي هاجم السلمانية بعد ان استولى عليها العثمانيين الذين عينوا فيها خالد باشا لأنه كان من العملاء العثمانيين وتحقق الكثير من الانتصارات في هذه الانتفاضة التي تعتبر بداية الطريق نحو الحرية ولها الفضل في اندلاع الانتفاضات الاخرى الى يومنا.
2-انتفاضة بدر خان 1842-1847 م.
– اندلعت هذه الانتفاضة في ظل تدخل الدول الاوروبية ومحاولاتها السيطرة على الامبراطورية العثمانية الهرمة والتي كانت قد دخلت مرحلة الانهيار نتيجة اتساع مساحتها وقيام العديد من الانتفاضات فيها والتي كانت تحاول أبقاء الكرد والشعوب الاخرى تحت هيمنتها من خلال بث فكرة التوحّد تحت راية العثمانيين الاسلامية لتجنب الضعف الحاصل فيها.
– بعد فشل انتفاضة البابان بدأت عشيرة بوطان ((بدر خان)) وهي الثانية والتي كان لها دورا رياديا في كردستان، ففي ظل الضعف العثماني كان الكرد يتمتعون بإدارتهم المستقلة ولكن هذه الإدارة بدأت تنزع من الكرد شيئاً فشيئاً في ظل السياسات الاوروبية مما اثار حفيظة الامراء الكرد وغضبهم على التدخل الاوروبي في شؤون البلاد وخاصة عشيرة بوتان بقيادة الامير بدر خان بيك، الذي اعلن الانتفاضة سنة 1842م.فعمل على تشكيل اتحاد بين العشائر الكردية واسس الكثير من العلاقات مع الامراء الكرد وتم تشكيل قوة عسكرية كبيرة مدعومة بعلاقات جيدة وكبيرة من الارمن والأشوريين حيث تحولت المنطقة الى اقوى منطقة عسكرية تتمتع بالأمن والسلام فقد كان بدر خان يمثل طليعة حرية المنطقة عموماً.
– عمل بدر خان على حماية اتحاد وأخوة شعوب المنطقة وألغى قانون منع التزاوج بين الارمن والكرد، خطوة خطوة كان بدرخان يتخلص من السيطرة العثمانية في مناطق انتفاضته وقد اثارت هذه الانتصارات قلق العثمانيين من جهة والإنكليز والفرنسيين من جهة أخرى لأن من مصلحتهم استمرار الدولة العثمانية الضعيفة. أفضل من ظهور قوى جديدة في المنطقة مما دفعهم للعمل على إثارة التفرقة والفتن بين الامراء الكرد من جهة وبين الكرد والارمن من جهة اخرى.
– اوقف الاشوريين والارمن دعمهم المالي السنوي للأمراء الكرد بسبب تلقيهم مساعدات مالية وخدمية من الانكليز والفرنسيين الذين عملوا على إثارة الحروب والنزاعات بين طوائف المنطقة لإثارة الضعف في مكونات المنطقة وبدعم الفرنسيين جهز العثمانيين جيشاً من 60 ألف مقاتل وشن هجوما على عاصمة بدر خان ((جزيرة بوطان)). لكن هذه الحملة انهزمت امام مقاومة عشيرة بدرخان وبعد هذا الانتصار أعلن بدر خان استقلال ولايته وسيطرته على وان -رواندوز -موصل -آمد -وحتى منطقة أورميا.
– اضطر العثمانيين لتجهيز جيش من 100 ألف مقاتل للقضاء على انتصارات بدرخان بيك وقام العثمانيون بمهاجمة عشيرة بدرخان من ثلاث جهات، كما عملوا على تحريض (يزدان شير) على عمه بدر خان مدعين بأن والد يزدان شير هو الاحق بإمارة كردستان لتلعب الخيانة هنا دورها مرة أخرى في القضاء على إحدى اهم الانتفاضات الكردية وذلك سنة 1847م.
انتفاضة ديرسم1907 -1909م.
كانت ديرسم في فترة الاحتلال العثماني دائما محافظة على استقلالها وتحمي نفسها من الهجمات العثمانية، حيث كانت تحاول إخضاع ديرسم بين فترة وأخرى. حيث استطاعت ديرسم ان تقف بقوة في مواجهة جيش العثماني المؤلف من 4000 عسكري واحباط هجومهم في سنة 1907م وفي ظل هذا المد العثماني ومحاولته السيطرة على ديرسم.
اجتمع أمراء العشائر الكردية في ديرسم ووضعوا الخلافات جانباً في سبيل المحافظة على استقلالية ديرسم من البطش العثماني مما دعا الأمراء الى تشكيل جيش ومهاجمة العثمانيين في هوزات سنة 1908م بنجاح وتحقيق العديد من الانتصارات على العثمانيين في مواقع آخري ولم تكن هجمات العثمانيين تؤثر كثيرا بل وكانت تفشل بسبب طبيعة ديرسم الجبلية ولكن كان للخيانة مرة أخرى دورها في الحد من الانتصارات حيث اصدر احد الامراء وهو كاكو أغا امراً بالانسحاب من الجبل مما اعطى مجال للعثمانيين للهجوم واسترجاع هوزات وكان السبب في دفع بعض الامراء الكرد لتسليم انفسهم للعثمانيين واعتبرت نهاية الانتفاضة.
الا ان الكرد بقيادة عشيرتي (دمامنان -حيدران) قاموا بالانتفاضة بوجه العثمانيين مرة اخرى بشكلٍ اوسع مما اضطر الجيش العثماني لطلب التعزيزات ألا ان الكرد كانوا قد سيطروا على الطرق الرئيسية ومنعوا وصول الامدادات العثمانية. مما اضطر القائد العثماني نشأت باشا لاتباع سياسة المكر والخداع وأرسل رسالة للكرد المنتفضين للوصول الى سلام مما دفع بعض الامراء للموافقة ظناً منهم بحسن نية العثمانيين باستثناء سعيد رضا امير عشيرة (أوفاجقى) الذي لم يقتنع ولم ينخدع بنوايا العثمانيين ولكنه لم يستطع منع باقي الامراء من تسليم أنفسهم، بعد ان فهم بعض الامراء انها لعبة عثمانية.
عاودوا الهجوم على العثمانيين مما اجبر العثمانيين للانسحاب من هوزات وأذربيجان وكانت انتفاضة ديرسم ذات صبغة كردايتية حافظت من خلالها ديرسم على حدود محمية من السلطة العثمانية.
انتفاضة شيخ محمود برزنجي ((محمود الحفيد)) 1919م.
– بعد احداث الحرب العالمية الاولى عينت السلطات الإنكليزية شيخ محمود برزنجي امير عشائر السليمانية وذلك سنة 1918 م ، و ارسل شيخ محمود برزنجي رسالة الى السلطات الانكليزية باسم 40 امير كردي طالب فيها بحكم كردستان ذاتيا وحاول شيخ محمود برزنجي ان يضم أمراء الموصل الى هذه الاستقلالية الذاتية إلا ان ذلك لم يعجب الانكليز الذين عملوا على وضع العراقيل امامه ومساعيه الاستقلالية فحاول الانكليز شيئا فشيئا الاستيلاء على الصلاحيات وسحب البساط من تحت البرزنجي وظهر هنا الصراع على الموصل ذات الطبيعة الغنية والخيرات الكبيرة ما بين الاتراك والانكليز مع محاولتهم استخدام الكرد حسب مصلحتهم وعمل الترك على توقيع اتفاقية جاء فيها استقلال كردستان تحت ادارة محمود برزنجي وتقديم الدعم له مما دفع الانكليز لزيادة الضغط على السليمانية التي بدأت تعاني من الازمة التي افتعلها الانكليز مما دفع الكرد لا علان الانتفاضة ضد الانكليز في بهدينان وزاخو و برزان سنة 1919م وبدعم من كرد شمال وشرق كردستان وفي 23 ايلول 1919 م هاجم الشيخ محمود برزنجي وقواته على مقر القنصلية الانكليزية في السلمانية وسيطر على القنصلية وقام بسجن العساكر الانكليز المتواجدين هناك. بهذا يكون قد أعلن الاستقلال في جنوب كردستان ورفع العلم الكردي فوق القنصلية الانكليزية ووصلت سلطته إلى كركوك. الى ان لعبت الخيانة دورها مرة اخرى على يد بشير محمد سليمان الذي وقف بوجه برزنجي وساعد الانكليز على اعتقال شيخ محمود برزنجي ومن ثم نفيه الى بغداد لتكون نهاية الانتفاضة. فلولا الخيانة لتحققت انجازات كبيرة.
انتفاضة أغرى 1927م:
إن هذه الانتفاضة كانت على يد المثقفين الكرد الذين اسسوا جمعية ((خويبون)) التي اتخذت اعلان كردستان حرة هدفاً لها، حيث أعلنت في مؤتمرها الأول 1927 في بيروت والتي استمرت 45 يوم بالإضافة الى مشاركة عدد من الوطنين الكرد بهدف تنظيم الشعب الكردي وإعلان الانتفاضة ضد السلطة التركية بقيادة إبراهيم هوسكى تالي وإحسان نوري باشا الذي أشرف على العمليات العسكرية. وقد حصلت هذه الجمعية على دعم الفرنسين والارمن.
فبعد انقضاء ثورة شيخ سعيد وتفرق قواتها في الجبال حاولت جمعية خويبون لم شمل هذه القوات المنتشرة في الجبال تحت سقف الجمعية. واسسوا جريدة باسم اغري وبدأوا بتنظيم والتجهيز للانتفاضة ضد السلطة التركية في اغري وكانت المجموعات الصغيرة المنتشرة في الجبال تتحضر لإعلان الجيش الكردي الموحد في أغري وحدثت صدمات كبيرة وقوية بين الجيش الكردي والتركي في اغري وذلك سنة 1927م حيث تعرض الجيش التركي لخسائر فادحة بلغ اكثر من 2000 جندي قتيل واستيلاء الكرد على عتاد ومعدات الجيش التركي ، مما دفع القائد التركي الى تجهيز جيش مدجج بالأسلحة مدعومة بالطائرات وشن الهجوم على جبال أغري وبعد مقاومة عنيفة وكبيرة ابداها المقاتلين الكرد الاشاوس اضطروا بسبب ضعف الإمكانيات الحربية والعسكرية لدى الجيش الكردي – للانسحاب الى شرق كردستان وذلك سنة 1927م .
الى ان الحكاية لم تنته هنا حيث سطرت أغري مرة أخرى اسمها في تاريخ كردستان وإعادة اعلان الانتفاضة مرة أخرى ضد الترك سنة 1930 ضمن اغري وخارج حدودها، في وضع كانت فيها السلطات التركية تنشأ علاقات مع إيران والاتحاد السوفيتي حيث عمل الترك على اعطاء قسم من أراضي كردستان لإيران مقابل ان تدعم إيران تركيا للقضاء على ثورة اغري الذين سيطروا على معظم المناطق التي احتلها الاتراك ، وعمل البرلمانيون الترك على اجراء مقابلة مع إحسان نوري باشا واعدةً إياه بتعينه في منصب مرموق في الدولة مقابل تخليه عن الثورة ، إلا ان احسان نوري باشا رفض هذا العرض التركي مما دفع الترك الى شن هجوم عنيف على الثوار لكنهم تعرضوا لمقاومة كبيرة من الثوار الذين افشلوا الهجوم ووسعوا مناطق سيطرتهم في كردستان .
بعد ذلك علمت السلطات التركية على إثارة العشائر الكردية ضد الانتفاضة الى انهم فشلوا في ذلك واستمرت الانتفاضة ملحقة بالجيش التركي خسائر كبيرة من العتاد والسلاح ومقتل العديد من العساكر الترك مما اثارت هذه الانتصارات القلق والزعر لدى الدولة التركية وانضم عدد من الثوار من كرد غربي كردستان وجنوب كردستان الى الانتفاضة كدليل على وحدة الشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان المحتلة.
فشل ثورة آغري:
شن الجيش التركي هجوماً على الثوار بعدد بلغ 60 آلف جندي لأنهاء هذه الثورة واندلعت الحرب بينهما مع دعم جوي للجيش التركي ومقاومة عنيفة من الثوار الكرد الا أن إطالة فترة الحرب أدت الى خلق أزمة اقتصادية على الثوار اثرت في سيرورة الثورة ولكي يتم تأمين حماية الأطفال والنساء والعجز تم اصدار قرار بتهريبهم الى إيران بحماية عدد من القادة التابعين لإحسان نوري باشا إلا ان هؤلاء القادة سلموا انفسهم للحكومة الإيرانية وبقي أبراهيم هوسكى والمقاتلين معه يقاومون مقاومة كبيرة وطويلة ولكن و بتأثير الظروف المعيشية والاقتصادية وضعف العتاد العسكري واجواء البرد القاسي على سفوح جبال أغري ، أضطر ابراهيم هوسكى وجنوده للانسحاب الى شرق كردستان وبعد انقضاء الثورة عملت الدولة التركية على احراق القرى وحسب تقرير جمعية خويبون فأن الدولة التركية عملت على احراق 660 قرية كردية وهدم 15250 بيت كردي وتهجير الكرد من مناطقهم واستوطأنهم في المدن التركية وعملوا على ارتكاب مجازر بحق الأطفال الذين كانوا قد عبروا الى شرق كردستان وقاموا بأنشاء قبراً من الاسمنت وكتبوا عليه (( كردستانكم خيالٌ وقد دُفن هنا )) . ولكن هناك مقولة مشهورة في كتاب {أمة في الشقاق} للكاتب ” جوناثان راندل ” ((كردستان موطن ألف ثورة، وألف حسرة وألف امل))
انتفاضة سيد رضا 1937م:
“ديرسم” في كوردستان منطقة مستقلة منذ العهود العثمانية. وبعد أن أخفقت انتفاضة “كوج كري” وثورة الشيخ سعيد ثم انتفاضة “آكري” توجهت الجمهورية التركية إلى منطقة “ديرسم”. وكان مصطفى كمال ورفاقه يريدون القضاء على القضية الكردية قضاءً مبرماً بعد القضاء على منطقة “ديرسم” المستقلة التي كانت حدودها مناطق استراتيجية في شمال كردستان. ولذا لجأت الدولة التركية إلى إصدار قانون خاص بمنطقة “ديرسم” سنّهُ البرلمان التركي من جملة بنوده هذا القانون: تجريد المنطقة من السلاح. وفي عام 1936م طالبت الحكومة التركية رئيس “ديرسم” سيد رضا بتسليم ما لديه من سلاح إلى الدولة ولكن سيد رضا رفض هذا الطلب وأبى أن يذعن لأمرها. لذلك بدأت الفيالق التركية في عام 1936م تتأهب للحرب.
بعد حلول فصل الشتاء عجزت القوات التركية عن محاربة “ديرسم”. فلجأت الحكومة التركية إلى بث الدسائس وزرع الفتن بين العشائر الكردية وفي ربيع عام 1937م استطاعت تحييد بعض العشائر وجذب عشائر أخرى للوقوف إلى جانبها. وفي هذا الربيع نفسه، قصفت الكتيبة التركية بقيادة الجنرال “آلب دوغان” مدينة “ديرسم” من الأرض والجو. وفي المناطق التركية أعلنت الحكومة النفير العام وجندت كل فتى بلغ ستة وعشرين عاماً إلى ثمانية وعشرين عاماً. في صفوف الجيش وأرسلتهم إلى “ديرسم”.
جلبت الحكومة التركية العساكر من “أرزروم” و “أرزنجان” و” دياربكر” إلى “ألْ عزيز” لتطوق “ديرسم”. وفي ذلك الوقت كان “سيد رضا” و “علي شير” يقودان الثورة. كانت الحرب شرسة وقاسية، ولكنً أهالي ديرسم كانوا يقاومون ببطولة ويكبدون الغزاة خسائر جسيمة. ولم تكن تصل إلى “ديرسم” معونات أو إمدادات من الخارج.
وفي الوقت نفسه ابتاعت القوات التركية ذمة بعض الكرد ممن لا أخلاق لهم. من هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للعدو نجل شقيق “سيد رضا” المدعو: “ريبر”. اشترى الأتراك “ريبر” وأرسلوه إلى بيت “علي شير” فقتله غيلة وغدراً وقتل زوجته ثم جز رأس “علي شير” ووضعه في جعبة وأخذه إلى الكابتن التركي “آلب دوغان”. ثم تخلت بعض العشائر عن المقاتلين وخرجت من الحرب. وكان مقتل “علي شير” قد ترك فراغاً كبيراً في صفوف الثورة. كما قتل أحد الخونة الغادرين قائداً عسكرياً كردياً.
أضرمت الكتائب التركية النار في جميع الغابات المحيطة بـ “ديرسم”. وضعف موقف “سيد رضا” ولم تبق له قوة. فاضطر للانسحاب بمن بقي لديه من القوات إلى جبل “مُنذر” ودافع عن نفسه. أما الفيالق التركية فكانت تربط الرجال والنساء والأطفال وتوجه إليهم فوهات المدافع. وتقذف قنابل الغازات السامة والحارقة إلى الكهوف التي لجأ إليها الهاربون من الكرد الذين لا حول لهم ولا قوة.
أرسل والي “أرزنجان” كتاباً إلى “سيد رضا” قال فيه: إن حكومة أنقرا تستجيب لجميع مطالبكم وطلب مجيء سيد رضا للمفاوضات مع السلطات التركية. ولذلك، ولكي تنطلي الخدعة توقفت الكتائب عن القتال.
صدّق كلام الوالي ووثق بوعده، فخرج سيد رضا في اليوم الخامس من أيلول عام 1937م مع بعض خاصته من الرجال إلى “أرزنجان” ولكنّ الكتيبة التركية اعتقلته ومن معه وأرسلتهم إلى مدينة “ألْ عزيز” حيث أعدم “سيد رضا” فهتف وهو تحت أعواد المشنقة وقال باللغة الكردية:
“انني أبلغ من العمر خمسة وسبعين عاماً. وها انذا أنضم إلى شهداء كردستان… لقد هُزِمت “ديرسم” ولكن سيحيا الكرد وتحيا “كردستان” سيأثر الفتيان الكرد. وليمت الظالمون الكذابون”.
“ثورة ديرسم عام 1937م، تختلف هذه عن سابقاتها في ان السكان الكرد كانوا يدافعون ليس فقط عن حريتهم ولغتهم بل عن حياتهم وأرضهم، إذ أن الحكومة، تنفيذاً لقرارات خاصة أصدرتها عام 1932م، كانت ترمي إلى إفناء سكان بعض المناطق الكردية الاستراتيجية سواء بقتلهم أو ترحيلهم بالإكراه وتشتيتهم في غربي تركيا ولم تكتف هذه الحكومة بتركيز قوتها ضد الأكراد، بل لجأت إلى الاتفاق مع إيران لهذا الغرض عام 1932م، ووسعت هذه الاتفاقية عام 1937م بدخول العراق في هذا الحلف وتوقيع معاهدة (سعد آباد) التي كانت تهدف إلى ضرب كل حركة كردية في المستقبل (البند السابع من هذه المعاهدة)”.
“وإزاء هذا الوضع الجديد، طور الشعب الكردي بدوره نضاله ضد الاحتلال، فبعد ان كانت ثوراته محلية وذات صبغة دينية مذهبية أصبح نضاله سياسياً وفكراً شاملاً، خاصة وقد ظهرت بوادر الحركة الكردية في تركيا وصاحبتها إراقة دماء وشنق زعماء من أمثال (الشيخ عبد الله النهري) وغيره فجرت اتصالات سرية بين الشباب المثقف النابه من أكراد إيران وبين المنظمات الكردية التي كانت تعمل في العراق آنذاك وتمخضت هذه الاتصالات عن تشكيل حزب قومي باسم (آزادي خوازي كوردستان –أحرار كردستان) فكان لهذا الحزب فضل نشر مفاهيم جديدة بين جميع أفراد الشعب الكردي في جميع أنحاء كردستان، وأقضى هذا الحزب مضاجع الحكومة الإيرانية وكان احد أسباب عقد ميثاق (سعد اباد) بين تركيا وإيران والعراق الدول الثلاث المحتلة لكردستان وبين أفغانستان. وقد نصت بصراحة المادة السابعة من هذا الميثاق على ان عاقدي الميثاق سوف يشتركون في قمع أية حركة تقوم على حدودهم المشتركة، وليس على حدود الدول الثلاث إلا كردستان المحتلة والشعب الكردي الباسل الذي يناضل في سبيل توحيد وتحرير وطنه”