البيشمركه ادريس بارزاني
البيشمركه ادريس بارزاني .. الذي نذر نفسه لخدمة شعبه .. في ذكرى رحيله
تمر في الحادي والثلاثين من كانون الثاني الذكرى السادسة والعشرون لرحيل المناضل البيشمركه ادريس بارزاني رجل المواقف الصعبة والبيشمركه الذي لا يهادن احداً بحق شعبه .. صاحب الكلمة الصادقة اذا قال صدق واذا وعد اوفى.. ولد ليصبح مناضلاً من مناضلي شعبه الكوردستاني وبيشمركه ومقاتلاً وقائداً في جبهات القتال في اعظم ثورة عرفتها الامة الكوردية في تاريخها القديم والحديث الا وهي ثورة ايلول المجيدة، كبر مع اخوانه المناضلين ونهل من والده بارزاني مصطفى الدروس الوطنية والقومية ومن خبرته على الصعيدين السياسي والعسكري وشارك في القتال والتصدي لاعداء شعبه وللدفاع عن ارضه مع اخوانه المناضلين
في كل المعارك التي جرت على جبهات القتال.
الفقيد ادريس بارزاني واحد من القادة المناضلين والمخلصين جدير بالحب والاكبار والتقدير لانه كان مناضلاً عراقياً يفخر به العراق.. ويفخر به شعبه الكوردستاني، رغم عمره القصير فقد ترك اثراً بالغاً في قلوب شعبه ومحبيه وقدم من اجل ذلك روحه فداء له..
وكان من الذين ضحوا بالغالي والنفيس وبما يرضي الله.. ويرضي شعبه الذي لا ينساه بل كتب اسمه واعماله باحرف من نور.. ومهما يكتب الكاتب عنه لا يمكن ان يعبر عن حق هذا الانسان المضحي.
ولد الفقيد ادريس بارزاني في شهر آذار عام 1944 بمنطقة بارزان قلعة الصمود والكوردايتي في كنف عائلة مناضلة لها عمقها القومي والديني ومشهود عنها النضال من اجل حرية شعبها والدفاع عنهم.. الى جانب كونه ابن اسد كوردستان الجنرال مصطفى البارزاني المدافع الامين عن نضال امته.. عندما كان الفقيد ادريس في الثانية من عمره التحق والده البارزاني الخالد لنصرة جمهورية كوردستان الديمقراطية في كوردستان الشرقية (ايران) مع رفاق دربه البيشمركه الابطال حماة الكورد وكوردستان، ولكن مؤامرة دولية حيكت ضد الجمهورية اشتركت فيها دول عدة لاسقاطها.. ولكن البارزاني الخالد رفض الاستسلام وفضل القتال ضد الحكومة الايرانية والعراقية فالتجأ الى الاتحاد السوفياتي السابق مع رفاق دربه وبقى هناك الى العام 1958.. شاهد الفقيد ادريس عندما كان طفلاً صغيراً الشهيد الخالد القاضي محمد رئيس جمهورية كوردستان في مدينة الشهداء مهاباد في العام 1947 يقوم بتسليم راية كوردستان وهو علمها الى القائد الجنرال مطصفى البارزاني وهو يقول له: (هذا هو رمز كوردستان اسلمه اليك انه امانة في عنقك لانك في رأيي خير من يحفظه)..
والامانة التي سلمت الى البارزاني الخالد قام الابناء والاحفاد ومعهم ابناء شعبهم الكوردستاني والخيرون والمناضلون في التحالف الكوردستاني برفع ذلك العلم الرمز وهو يرفرف الان خفاقاً عالياً في كل اجزاء كوردستان والمناطق الاخرى واينما وجد الكورد في المنافي والمهاجر وجد ذلك الرمز معهم؟.
في العام 1947 عاد الشيخ احمد بارزاني مع عوائل المقاتلين من كوردستان ايران الى العراق وكان من ضمنهم الفقيد ادريس بارزاني وشقيقه المناضل مسعود بارزاني مع اخوانهم الاخرين وتم نفي تلك العوائل الى جنوب العراق.. وكان الفقيد ادريس قد درس بعض الوقت في مدارس كربلاء المقدسة.. وهكذا ولد بين مصاعب الحياة وهو مايزال طفلاً وشاهد وسمع باضطهاد شعبه وما لحق بهم من تعسف وآلام وتشرد ومواجهة الاعداء تجاه عائلته وشعبه الكوردستاني من الحكومات الدكتاتوريةوالعنصرية.. عرف الفقيد مبكراً تلك العذابات التي مورست تجاه شعبه وكان لا يوجد امامه غير النضال وهو الطريق الوحيد من اجل ان يقاوم ذلك الظلم والتعسف والتصدي له مع عائلته وابناء شعبه الكوردي.. فنذر الفقيد نفسه الى شعبه ودافع عنهم بكل قوة وثبات وهو شاب يافع ولم يكن له في هذه الحياة سوى تحقيق الحرية والتقدم لشعبه.. وكان الفقيد ادريس قد حرم اكثر من اثني عشر عاماً من رؤية والده وهو في المنفى في الاتحاد السوفياتي السابق منذ عام 1947 ولغاية العام 1958 عندما عاد البارزاني الخالد الى وطنه العراق بعد ثورة الرابع عشر من تموز،وكان الفقيد في تلك الفترة فقد حنان والده وعطفه ولم يعرف من مباهج الحياة بسبب تلك الظروف القاسية على من كان في عمره.. وكان الفقيد ادريس قد نهل من نهج البارزاني الخالد كونه تلميذاً في مدرسته النضالية وكرس كل حياته القصيرة في النضال والكفاح من اجل امته وارضه لانه كان مؤمناً اشد الايمان وضحى بحياته من اجلهما.
كان الفقيد ادريس يدعو الى المحبة والى عمل الخير ويقف الى جانب الانسان اي انسان من ابناء شعبه العراقي لا يفرق في عرقه او مذهبه او اتجاهه السياسي لانه كان حريصاً على وحدة العراق والتآخي بين قومياته واطيافه وكان يدافع عن حقوقهم وكرامتهم وحقن دماء ابناء الشعب الواحد لانه كان يؤمن بلغة الحوار والسلام، وكانت له علاقات اجتماعية واسعة في المجتمع الكوردستاني الى جانب علاقاته السياسية وعرف بشعبيته في كوردستان وفي كل انحاء العراق لانه كان يؤمن بالاخوة العربية الكوردية ويقول في هذا الخصوص: (انهم اشقاء لنا لا تفرقنا الحروب والسياسات العنصرية) فضلا عن علاقاته مع القوى والاحزاب والشخصيات السياسية العراقية، وهذا ليس بغريب على الفقيد انه ابن الخالد مصطفى البارزاني صاحب المبادئ الحقة والكلمة الصادقة والموقف الثابت الاصيل.
لعل ثورة ايلول المجيدة التي اندلعت في العام 1961 من القرن الماضي تقف في مطلع الاعمال النضالية لشعب كوردستان للدفاع عن حقوقه المشروعة ولكل شرائح الشعب الكوردستاني باسره جعل من الثورة تكسب حبهم واحترامهم وثقتهم بها وتحقيق اهدافهم القومية المشروعة ومن خلال هذه الثورة الظافرة التي قادها وخطط لها الجنرال مصطفى البارزاني مع مناضلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني ولاول مرة تشترك فيها جميع فئات وطبقات المجتمع الكوردستاني بجميع مكوناته واطيافه ومن ضمن الملتحقين الاوائل في هذه الثورة العظيمة الفقيد ادريس بارزاني حيث التحق بها وهو شاب يافع ليكون احد البيشمركه الابطال مع اخوانه الاخرين وليكون في الصفوف الاولى معهم في قتالهم ضد الحكومات الدكتاتورية العنصرية في ثورات ايلول وكولان وكان له تخطيطات عسكرية كثيرة في جبهات القتال واشرافه عليها مع اخوانه البيشمركه الابطال ومن اشهر المعارك التي قادها وخطط لها هي ملحمة معركة جبال هندرين التي جرت في شهر آيار عام 1966 التي الحقت الهزيمة الكبرى بقوات النظام البائد الذين كانوا يريدون القضاء على جذوة النضال التحرري الكوردستاني ممثلة بثورة ايلول المجيدة.. فاستحق الفقيد البيشمركه ادريس بارزاني التكريم والتقدير من قبل شعبه لانه كان قائداًميدانياً في حرب الانصار اثبت فيها بطولة نادرة قل مثيلها.
في اتفاقية اذار عام 1970 كان الفقيد ادريس بارزاني احد رواد السلام في هذه الاتفاقية التي جرت بين قيادة الثورة الكوردية وحكومة بغداد وحضر مع شقيقه المناضل البيشمركه مسعود بارزاني وكانا من الاعضاء الناشطين في وفد الثورة الكوردية التي ضمت اليهم الشهداء صالح اليوسفي ودارا توفيق وسامي عبد الرحمن والمناضلين المرحوم نافذ جلال والدكتور محمود عثمان ورفاقهم الاخرون.. في شهر حزيران من عام 1970 عقد المؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكوردستاني في ناحية كلالة تم انتخاب الفقيد ادريس بارزاني عضواً في اللجنة المركزية للحزب وبعد مؤامرة الجزائر الخيانية عام 1975 عاش الفقيد منفياً مع ابناء شعبه في المخيمات الايرانية وكان مع اخوانه المناضلين يعدون العدة لاستئناف الثورة من جديد بعد تشكيل القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني بالتعاون والتنسيق بين الفقيد ادريس والبيشمركة مسعود بارزاني وبتوجيه من قائد الحركة التحررية الكوردستانية الجنرال مصطفى البارزاني ورفاقهم المناضلين.. فكانت ثورة كولان التحررية التي هي امتداد لثورة ايلول المجيدة لم يفارق الفقيد ادريس نضاله السياسي والعسكري لحين وفاته بعد ان اشترك في ثورتي ايلول وكولان.. وكان له الدور المشرف والفاعل والاساسي في اعادة ترتيب البيت الكوردستاني وبتوحيد وجهات النظر للحركة الوطنية الكوردستانية ولعقد المصالحة مع قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني والحركات الكوردستانية الاخرى التي جرت في اواخر العام 1986 لتصبح بعد ذلك النواة الاولى لتأسيس جبهة كوردستانية موسعة لتظهر الى العلن في شهر حزيران عام 1988 وهي اول جبهة سياسية وعسكرية كوردستانية وعراقية تحقق نجاحاً مهما وتمهد الطريق لانتفاضة ربيع اذار عام 1991.
*منح الفقيد ادريس بارزاني بجدارة لقب مهندس المصالحة الوطنية عندما يؤدي الدور المهم لدرء الصدع في مسيرة الحركة التحررية الكوردستانية عندما بادر لاعادة الوئام واصلاح البيت الكوردستاني من ذلك الشرخ الذي كاد ان يؤدي بالحركة التحررية الكوردستانية الى اتون الحرب استطاع الفقيد تقريب وجهات النظر والتقارب وتطويق تلك الاحتمالات والمخاطر وابعاد شبح الاحتراب الداخلي وطي صفحة مؤلمة من صفحات المعارك الجانبية التي لم يستفد منها غير اعداء شعب كوردستان؟ فاستحق ذلك اللقب: (مهندس المصالحة الوطنية)..
وكان البارزاني الخالد قد ربى اولاده واحفاده على حب شعبهم والدفاع عن ارضهم وان لا يقبلوا الظلم والتعسف من احد وهاهم اولاده واحفاده يحققون ما كان يحلم به البارزاني الخالد الى ابناء شعبه الكوردستاني لكونهم قد مارسوا نضالهم القومي والسياسي والعسكري في مدرسة البارزاني الخالد النضالية.. وها هو الرئيس المناضل مسعود بارزاني يمارس عمله رئيساً لاقليم كوردستان وحفيده المناضل نيجيرفان بارزاني ابن مهندس المصالحة الوطنية الفقيد ادريس بارزاني يقود مجلس وزراء اقليم كوردستان الى جانب عمله نائباً لرئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
*من الذكريات الخالدة في نفسي وستبقى ذكراها خالدة الى ما حييت حيث ترجع بي الذاكرة الى العام 1972 عندما كلفت بمهمة للذهاب الى كلالة احدى قلاع ثورتنا المجيدة والالتقاء مع الشهيد فرنسو حريري الذي قدمني في اليوم التالي الى المناضلين ادريس بارزاني والمناضل مسعود بارزاني وكان اللقاء الاول مع الفقيد ادريس في بغداد بعد اتفاقية اذار عام 1970 عندما حضرت اجتماعاً ضم ملاكات اتحاد طلبة كوردستان وهذه الذكريات الجميلة والخالدة يشعر فيها المرء بالفخر والاعتزاز لانه قد التقى برمزين من رموزه الوطنية والقومية فضلا عن كونهما نجلي رمز الكورد وكوردستان البارزاني الخالد.
*ففي الحادي والثلاثين من كانون الثاني عام 1987 فقدت الامة الكوردية وشعب كوردستان احد اولادها البيشمركه ادريس بارزاني حيث وافته المنية اثر سكتة قلبية في مدينة سيلفانا احدى مدن محافظة اورمية في كوردستان ايران فدفن هناك.. وكان المناضل مسعود بارزاني قد نعى شقيقه ورفيق دربه المناضل ادريس بارزاني في برقية الى الامة الكوردية ولقوات البيشمركه والى اعضاء وملاكات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في هذا المصاب الجلل بفقدان بيشمركه ومناضل افنى حياته ونذر نفسه لخدمة شعبه انه الفقيد ادريس بارزاني.. وبعد تحرير كوردستان من نير النظام البائد تم في السادس من تشرين الاول عام 1993 نقل جثمان والده البارزاني الخالد الى مسقط رأسيهما في منطقة بارزان قلعة عرين الاسود وقبلة الكوردايتي في مراسيم مهيبة قل نظيرها شاركت فيها جماهير كوردستان في ايران والعراق التي خرجت عن بكرة ابيها تقديراً وعرفاناً واستذكراً بهذه الذكرى.. ودفنا في قبرين متجاورين بسيطين متواضعين لا تفرقهما عن اي قبر من شهداء البيشمركه الابطال.. وما زيارات ضريح الخالدين البارزاني الخالد والفقيد ادريس بارزاني وبمسيرات طوعية من قبل جماهير كوردستان واصدقائهم والشخصيات والقادة الا عرفاناً بالجميل لهما.
*فنم قرير العين وانت ترفل بثوب العز والفخر والخلود لانك اديت الامانة ووفيت العهد وما يمليه عليك ضميرك لانك جاهدت وناضلت وكافحت مع اخوانك المناضلين من اجل قضية كنت مؤمناً بها تجاه شعبك وارضك.. وايها الفقيد ما كنت تحلم به قد تحقق الان بفضل من الله اولاً وثانياً بفضل حكمة اخوانك في الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع المناضل مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان واخوانه الاخرين في التحالف الكوردستاني الذين سيبقون العين الساهرة للحفاظ على المنجزات التي تحققت في العراق التعددي الفدرالي عامة وكل منجزات اقليم كوردستان خاصة.
*تحية الى الارواح الطاهرة لشهداء الحركة التحررية الكوردستانية والحركة التحررية العراقية.
فاضل عباس الجاف