بين زاكروس والنيل: روابط غير مرئية بين الكورد والفراعنة
بين زاكروس والنيل: روابط غير مرئية بين الكورد والفراعنة
في أعماق الزمن حيث تتداخل الأسطورة مع الواقع، تمتد خيوط دقيقة تربط جبال زاكروس القاسية بوادي النيل الخصيب. وبين قمم كردستان التي تعانق السحاب ومياه النيل التي تحمل ذاكرة الأزل، سطرت صلات قديمة لم تكن فقط لقاءات حربية أو تحالفات سياسية، بل مسارات حضارية تنقل الروح الإنسانية عبر آلاف السنين.
ممرات الجبال… طرق الذهب واللازورد
قبل أن تشهد الأرض ميلاد الممالك الكبرى، كانت جبال زاكروس، موطن الأسلاف الأوائل للكورد، بمثابة ممر مرسوم للقوافل والتجار الذين كانوا ينقلون كنوز الشرق مثل الذهب والأحجار الزرقاء من بدخشان إلى بلاد الرافدين ومن هناك إلى مصر الفرعونية. في تلك الأزمنة البعيدة لم يظهر بين الكورد والفراعنة مبعوثون أو دبلوماسيون، لكن السلع كانت تتحدث بلغات أقدم من الكلمات؛ أحجار كريمة وزيوت عطرية تجد مكانها في المقابر الملكية في طيبة، شاهدة على تواصل ثقافات بعيدة لا تعرف بعضها لكنها تتشارك شغفاً بالخلود والجمال.
زمن الميديين وسقوط نينوى
عندما نهضت قوة الميديين، أسلاف الكورد، في القرن السابع قبل الميلاد، تغيرت ملامح الشرق. ما بين جبال همدان ونينوى ارتفعت رايات الميديين والبابليين معاً على أطلال إمبراطورية آشور. مصر النوبية آنذاك راقبت تغييرات المشهد بحذر، فصعود قوة كالميديين الذين أتوا من الجبال الشرقية كان أشبه بإعادة تشكيل لنظام القوى القديمة. رغم أنه لم يحدث لقاء مباشر بين الميديين والفراعنة، وصل صدى سقوط نينوى إلى وادي النيل حاملاً معه إدراكات جديدة بأن الشرق يبعث مرة أخرى وأن جبال زاكروس أصبحت نقطة مركزية تؤثر في مصير الممالك.
ظلّ الميديين يصل إلى وادي النيل
مع تقدم الزمن ورث الأخمينيون تاريخ الميديين وأسسوا واحدة من أبرز الإمبراطوريات في التاريخ. حينما دخلت مصر تحت الحكم الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد، أصبح أبناء جبال الكورد جزءاً من الإدارة الجديدة، قادةً للجيوش ومحافظين على الأطراف. خلال هذه الحقبة القصيرة امتد ظلّ الميديين حتى ضفاف النيل، وحارسٌ من همدان بات يرعى أبواب ممفيس وعلى درعه رسومات من زاكروس تتناغم مع تصاميم برسبوليس.
من طرق التجارة إلى العصر الأيوبي
استمرت الجبال الكردية طويلاً كجزء من بوابة الشرق نحو مصر، حيث كانت القوافل تشق الطريق من ميديا إلى بابل ومن حلب إلى الإسكندرية، ناقلةً بخوراً ومعادن الشرق. ومع حلول عصر الأيوبيين ظهر صلاح الدين الأيوبي، الكردي الذي جعل القاهرة مركز العالم الإسلامي، ليبلغ الرابط القديم ذروته. من أحضان جبال كردستان خرج من يوحد المشرق ويعيد للنيل مجده على يد قيادة بصيرة.
أصداء الحضارتين
العلاقة العميقة بين الكورد والفراعنة لم تُبْنَ فقط على الجوار الجغرافي بل كانت جسراً للأرواح عبر الزمن. كلا الشعبين أحب الأرض وعشق الخلود، بأعمال وصروح تركوا عليها بصمتهم الأبدية. الفرعون تطلع لشمس السماء والميدي لقمم الجبال، فكلاهما آمن بأن للإنسان قوة تخط أثرها في صفحات التاريخ. هكذا تظل الحكاية بين زاكروس والنيل صوتاً خفياً يولد بين صفحات الماضي، لتؤكد أن الحضارات المتباعدة رغم المسافات تشترك في حلم أبدي: السعي نحو الخلود.






